بوابة الخيمة

editor

قضايا وآراء
غياب عرفات.. خسارة لشارون وبوش والفلسطينيين

محمود علوان




جنازة عرفات أظهرت حجم الشعبية التي تمتع بها الزعيم الفلسطيني ، هل وفاة عرفات مكسب أم خسارة لشارون وبوش؟ وهل الوفاة يمكن أن تأتي بالسلام إلى فلسطين؛ لأنه كان عقبة في طريقه كما يزعم الأمريكيون والإسرائيليون؟ وهل سرعة ملء المناصب الخالية التي خلفها عرفات وتقسيمها بين القادة الفلسطينيين خصوصًا بين قياديي الداخل (محمود عباس - أبو مازن) وقياديي الخارج (فاروق القدومي) هو مظهر من مظاهر الوحدة الفلسطينية ورد على المراهنين بوقوع اقتتال داخلي بين الفلسطينيين من بعده، أم أنه في حقيقته مظهر على الخلافات العميقة بين جناحي حمائم وصقور السلطة الفلسطينية في الداخل والخارج وستكون له انعكاسات مستقبلية سلبية؟




قبل غياب ووفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، كانت آلة الدعاية الصهيونية والأمريكية توحي بأنه ضيع "فرصة ذهبية" في عام 2000 عندما رفض التوقيع على اتفاق السلام الذي قدمه له الرئيس بيل كلينتون، وأنه لا مجال للحديث عن السلام في ظل وجود قيادة عرفات.

ورغم أن تفاصيل الاتفاق الحقيقية بما تضمنه من تجاهل لحق العودة للاجئين ورفض لعودة القدس الشرقية بسيادة كاملة للفلسطينيين تؤكد أن عرفات -على العكس- فوّت فرصة ذهبية على الأمريكان والإسرائيليين لطبخ القضية الفلسطينية على عجل، فقد جاءت الوفاة لتشكل تحديًا كبيرًا للأمريكان والإسرائيليين بعدما غابت "الشماعة" التي كانوا يعلقون عليها حجج رفض التفاوض وإعادة الأرض للفلسطينيين.

صحيح أن تعليقات كل من بوش وشارون على وفاة عرفات كانت تسير في طريق البهجة لإزالة عقبة من عقبات توقيع اتفاق تسوية فلسطيني - إسرائيلي، ولكن الصحيح أيضًا أن شارون وبوش باتا في مأزق كبير؛ لأن غياب عرفات يفرض سرعة إعادة التفاوض حول اتفاق سلام جديد أجهضه شارون بالفعل عبر خطط الحصار وبناء المستوطنات والانسحاب من جانب واحد من غزة وأقل من ربع الضفة الغربية كحل نهائي للتسوية.

فشارون وبوش وبعض الأطراف العربية سعت لتشويه صورة عرفات والإيحاء بأنه كان العقبة في طريق السلام، وأنه ضيع فرصًا كثيرة على الفلسطينيين لحد قول شارون "إن وفاة عرفات يمكن أن تشكل (منعطفًا تاريخيًّا) في الشرق الأوسط"، كما ألمح بوش إلى أن وفاة عرفات مفيدة للسلام.

ولأنه لا عرفات ولا غيره من القيادات الفلسطينية كان يمكنه القبول بالعروض المتدنية التي تضمنتها اتفاقات السلام التي طرحتها أمريكا وإسرائيل من قبل، خصوصًا التنازل عن القدس، وحتى حمائم السلطة الفلسطينية الجدد (أبو مازن وأحمد قريع) لن يمكنهم أيضًا القبول بأي حل يستبعد عودة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، فمن الواضح أن ما يقال عن تسوية سياسية سريعة مرتقبة بعد عرفات لن يكون سوى ضرب من الخيال.

فالسبب الحقيقي لعقاب عرفات من قبل الأمريكان والإسرائيليين أنه حول سرًّا "الانتفاضة السلمية" التي نجحت في فرض القضية والتوصل لاتفاقات أوسلو إلى "انتفاضة عسكرية" تقاتل بالسلاح في العمق الإسرائيلي، وبارك ضمنًا بعض عمليات المقاومة الفلسطينية، وشجع بشكل غير مباشر حركات المقاومة على القيام بعمليات عسكرية محدودة ضد أهداف عسكرية صهيونية، وإن ظل يتحكم فيها.

وواقع الحال يشير بالتالي إلى أن شارون وبوش -على عكس ما يظهران- سيكونان أكبر الخاسرين من وفاة زعيم "معتدل" و"كاريزما"، وقبل ببعض التنازلات في إطار مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية والتي قبلها شعبه أيضًا (تسوية مسألة اللاجئين وعدم السيطرة على الحدود)، فما قد يقبله الشعب من تنازلات لزعيم القضية الذي يثق به سوف يرفضه من خلفائه "الحمائم" الذين تشوهت صورتهم، وأصبح يُنظر إليهم على أنهم حلفاء لإسرائيل وأمريكا، وحريصون على مناصبهم ونفوذهم أكثر منهم حرصًا على القضية الفلسطينية.

أيضًا ستنفتح كل الاحتمالات أمام تصاعد المقاومة المسلحة من جانب كل الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح، بعدما غاب الزعيم الذي كانت كلمته مسموعة، فصورة أبو مازن -الزعيم الجديد بعد عرفات- اهتزت كثيرًا منذ احتضنه شارون، وروجت له أمريكا عندما كان رئيسًا للوزراء، وافتقاده لشعبية تضاهي شعبية عرفات يحدّ من قدرته على وقف الانتفاضة.

وقد يعمد في سبيل ذلك لتسريع أي اتفاق مع شارون لرفع شعبيته، ولكن حتى لو سعى أبو مازن لذلك، فشارون بالمقابل لن يساعده؛ لأنه يتحرك بدوافع صهيونية - دينية، وليس لديه القدرة -في ظل صراعه مع حزبه الليكود ومع الحاخامات الذين أهدروا دمه بسبب خطة الانسحاب من غزة- على تقديم أي تنازلات بما فيها تلك التي كانت معروضة من قبل على عرفات في كامب ديفيد مما يعني جمود القضية.

والرئيس الأمريكي بوش ليس واردًا أن يفي بوعوده بشأن تسريع إقامة دولة فلسطينية والضغط على شارون في هذا الصدد، رغم حديثه عن أن إقامة دولة فلسطينية يخدم مصلحة إسرائيل ويشكل عنصر أمن لبقائها مزدهرة.

فالمطروح في ظل حكم اليمين المتطرف الصهيوني أقل بكثير مما كان مطروحًا من قبل حكومة حزب العمل وكلينتون في عام 2000، وبوش لن يستطيع الضغط على إسرائيل وتليين مواقفها لحاجته إليها في معركته المقبلة مع إيران وسلاحها النووي المرعب المنتظر، كما أن أجندته في فترة رئاسته الثانية تركز أكثر على الداخل الأمريكي، وتصفيه الحسابات مع باقي دول "محور الشر" كما يسميها

الحمائم والصقور.. من يكسب؟

وبعيدًا عن كل التصريحات الوردية عن أنه لا مخاوف من صراعات داخلية بين الفلسطينيين بعد وفاة الزعيم عرفات، لا يمكن إغفال أن هناك صراعًا داخليًّا خطيرًا (وليس اقتتال) ليس بين السلطة وفصائل المقاومة الإسلامية والوطنية، ولكن داخل السلطة نفسها وداخل منظمة التحرير تحديدًا وحركة فتح.

فهناك صراع بين قيادة الداخل ممثلة في أبو مازن وقيادة الخارج ممثلة في فاروق القدومي وزير خارجية دولة فلسطين ورئيس حركة فتح، وهناك انقسام داخلي في فتح بين أنصار المقاومة وأنصار وقف الانتفاضة نهائيًّا ووقف عسكرتها، وقد ظهر هذا قبل وبعد وفاة عرفات.

فقيادة الداخل سارعت لتعيين أبو مازن خلفًا لعرفات في رئاسة المنظمة؛ لتفوت الفرصة على القدومي وفريق المنظمة التاريخي في الخارج الذي يرفض التنازلات ويدعو للعودة للمربع الأول، واستئناف العمليات العسكرية ضد إسرائيل طالما فشل الخيار السلمي ومزق شارون بنفسه اتفاقات أسلو، ولكنها أعطت في المقابل القدومي رئاسة حركة فتح.

والقدومي وهو على رأس فتح ربما يكون أكثر تأثيرًا، ومعروف عنه أنه مؤيد للمقاومة المسلحة على عكس المنظمة الملتزمة بالتسوية السلمية، وقد أصدر بيانًا في يوم وفاة عرفات 11 نوفمبر يقول فيه: "إنه حان الوقت للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تجتمع خارج الأرض المحتلة للحفاظ على سرية عملها وقراراتها (في إشارة لاختراق إسرائيل للقيادة الفلسطينية)، ولإتاحة الفرصة لكل أعضائها أن يتخلصوا من الضغوط النفسية التي تفرزها الأوضاع التي تحيط بهم في الأراضي المحتلة، وأنه "لا بد من مشاركة جميع فصائل المقاومة في اتخاذ القرارات السياسية حتى تعزز وحدتنا الوطنية في إطار قيادي موحد".

ولا يجب أن نغفل هنا مغزى بيان كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة "فتح" التي كان يتزعمها الرئيس عرفات والذي دعت فيه نشطاءها إلى ضرب إسرائيل "في كل مكان"، وحملت الحكومة الإسرائيلية مسئولية موته، كما لا يجب أن نغفل ما يتردد عن الصراع على أموال السلطة الفلسطينية وعرفات والتي قدرتها مصادر أمريكية بمليار دولار، والذي فتحت الطريق له زوجة عرفات سهى بتوجيه اتهام صريح لخلفاء عرفات بالسعي لوراثته، خاصة أن المعادلة الفلسطينية الآن تقوم على أن من يملك المال يملك السيطرة على أجهزة الأمن الفلسطينية، ومن ثَم على السلطة نفسها!.

لغز التسميم

وهناك أمر آخر أكثر أهمية يرتبط بقضية الصراع داخل السلطة وهو مسألة التسميم العمدي المحتملة للرئيس عرفات، والمفترض أنها تمت بتواطؤ إسرائيلي أمريكي لإزاحة عرفات، ولكن عن طريق عميل كبير داخل السلطة الفلسطينية ومن الدائرة المحيطة بعرفات، وهو ما يعني -في حالة تأكيده- تصفية الحسابات بين أنصار عرفات وهؤلاء العملاء داخل السلطة.

وقد جاء إعلان كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح) عن تغيير اسمها إلى (كتائب الشهيد ياسر عرفات) بعد ساعات من الإعلان الرسمي عن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؛ ليؤكد الاعتقاد بأن الرئيس الفلسطيني لم يمت موتة طبيعية، ولكن تعرض إلى تسميم متعمد ستسعى الكتائب للثأر ممن يقفون وراءه، خاصة أن المستشفى الفرنسي التي كان يعالج بها عرفات لم تستطع تحديد حقيقة ما كان يعانيه الرئيس الراحل.

أيضًا جاء اتهام خالد مشعل رئيس الجناح السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس للكيان الصهيوني "بتسميم دم عرفات"، وعدم استبعاد وزير الأمن الداخلي السابق محمد دحلان قيام "إسرائيل" بدس السم للرئيس عرفات؛ نظرًا للحقد الذي يكنه شارون للرئيس الفلسطيني ليفتح ملفات العملاء داخل السلطة نفسها بعدما نجحت إسرائيل في توظيف آلاف العملاء للكشف عن قيادات المقاومة واغتيالها والوصول إلى رئيس السلطة الفلسطينية نفسه.

وعزز هذا أن طبيب عرفات الخاص د. أشرف الكردي طالب بتشريح جثمانه، واستغرب تدهور حالته الصحية فور سفره لباريس، كما أن الأطباء الفرنسيين الذين يعالجون الرئيس الفلسطيني كانوا يكتفون فقط بإعطائه صفائح دم بديلة عن صفائح دمه التي تتكسر في محاولة لكسب الوقت بانتظار إمكانية التوصل إلى نوع السم الذي أعطي لعرفات، والمضاد المناسب الذي يجب أن يقدم له من الجهة المصنعة لهذا السم، وهي قطعًا إسرائيلية، فيما تواصل إسرائيل في الاتصالات السرية التي جرت معها وقتها، رفض الاعتراف بمسئوليتها عن مرض الرئيس الفلسطيني، كما كشفت مصادر فلسطينية.

وعززه أيضًا تصريحات أحمد قريع رئيس وزراء السلطة التي أبدى فيها اعتقاد القيادة الفلسطينية بأن عرفات تعرض للتسميم، حيث فسّر تصريحه على أنه "خطوة علنية ضاغطة على إسرائيل كي تقدم العلاج"، وكل هذه التصريحات تفتح الطريق أمام صراع مرتقب داخل السلطة عقب دفن عرفات.

وفاة عرفات إذن قد لا تكون -كما يصوّر الأمريكان وإسرائيل الأمر- مكسبًا لهم ولا للقضية الفلسطينية؛ لأنهم لن يقدموا للقضية الفلسطينية جديدًا، كما أن الفتات المعروض لن تقبل به فصائل المقاومة التي أصبحت -خصوصًا "حماس"- أكثر مطالبة بالمشاركة في السلطة والقرارات الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الكاريزما التاريخي للشعب الفلسطيني.

ووفاته ربما تفجر الأوضاع داخل السلطة نفسها ولو بعد حين، رغم التصريحات الوردية بأن الجميع على قلب رجل واحد، وأنه لا مجال للاقتتال الفلسطيني/ الفلسطيني.

فهل يفجر غياب عرفات مزيدًا من العنف والمقاومة ضد الاحتلال وضد المصالح الأمريكية التي باتت أكثر تورطًا في حماية الدولة الصهيونية؟ وهل يتفجر الصراع داخل السلطة الفلسطينية من جهة وبينها وبين باقي الفصائل المقاومة التي باتت تُلحّ أكثر على دور في السلطة بعد غياب الزعيم الكاريزما من جهة أخرى؟

 
 روابط ذات صلة
· زيادة حول قضايا وآراء
· الأخبار بواسطة editor


أكثر مقال قراءة عن قضايا وآراء:
العراق مركز انطلاق البركان


 تقييم المقال
المعدل: 3.33
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ


 خيارات

 صفحة للطباعة صفحة للطباعة