بوابة الخيمة

editor

عين على الإعلام في ضوء عودة الاستعمار العسكري الذي ظـُنّ أنه قد توراى في التراب، وفي وقت ركب الإعلام فيه ظهور الدبابات، وأصبح الإعلام الأمريكي (الحرّ) بوقا لنظامه، كان لا بد من النظر خارج منظومة السي أن أن وصويحباتها، والبحث عن إعلام محايد، أو إعلام غير مجحف ولا متحيز بشكل واضح. وكما أشار المشاهد العربي في استفتاءات عدة فإن القناة الأكثر مشاهدة هي قناة الجزيرة، ولعلنا نتطرق في هذا المقال إلى بعض الجوانب التي تخص هذه القضية:

1. هل الجزيرة محايدة: تحت الضغوط الأمريكية العظيمة، وتحت مجهر العالم ومبضعه، لا شك أن الجزيرة تحاول أن تلتزم الحيادية في نقل الخبر، ذلك أنها تنقل التصريحات الأمريكية وتنوه على مصدرها، وتنقل التصريحات العراقية وتنوه على مصدرها، بل إنه عندما اعترضت الحكومة الأمريكية على عدم نقل النص الكامل لتصريحاتهم اليومية من واشنطن أو من السيلية في قطر، فإن الجزيرة ارتأت أن تنقل المؤتمرات الأمريكية حية ثم تنقل المؤتمرات العراقية مجزوءة وفي أغلب الأحيان أو مسجلة.

من هنا لا أشك في أن الجزيرة تحاول أن تكون حيادية، في نقل الخبر على الأقل، ولكن لا يغيب عن بالنا أن العاملين في الجزيرة من مراسلين ومذيعين ومحررين هم عرب (ومسلمين على الغالب)، ولا شك أن صدورهم تجيش بما يجيش به صدر الشارع العربي، بل كل منصف وطالب للحق والعدالة في العالم. فكيفما حاولت أن تصف ما يجري في العراق فإنك لن تخرج عن وصفه بالعدوان أو بالاحتلال العسكري (كما يصفه الأمريكيون أنفسهم). وهذا المراسل الواقف في وسط بغداد أو البصرة أو الموصل، والذي تمطره الطائرات الأمريكية بوابل من القنابل –وأمهاتها- صباح مساء، لا شك أنه متعاطف مع الشعب العراقي في أقل تقدير، وهو -وإن اتهم بعدم الحيادية- لا ينقل إلا ما يرى.

ولقد لاحظت بعض التحولات الدقيقة في أسلوب الجزيرة الخطابي قد لا يلقي له البعض بالا، إلا أني أراه حريا بالتدبر. فعندما بدأت الحرب كانت الجزيرة تصف قوات الغزو بـ(قوات التحالف) شأنها شأن باقي القنوات، ذلك أن الحكومة الأمريكية تروج لهذا التعريف، والكل يعلم أن هذا التحالف الذي يقال أن فيه 52 دولة هو تحالف موهوم، وأن القوات المقاتلة هي أمريكية إنجليزية، مع وجود ألفي مقاتل أسترالي أقول (ساخرا) بأن نصفهم دلافين مدربة على نزع الألغام البحرية. فكانت النقلة الأولى في خطاب الجزيرة إلى تغيير الوصف إلى القوات الأمريكية البريطانية، ومن بعد إلى القوات الأنجلوأمريكية.

ثم كانت النقلة الثانية، والتي أعتقد أنها توافقت مع اجتماع الجامعة العربية ووصفها الغزو بـ(العدوان)، التي بعدها أصبحت الجزيرة تصف القوات بقوات الغزو أو قوات العدوان، ولا أعتقد أن الجامعة العربية هي التي أملت هذه التسمية على الجزيرة، بل هو رغبة في الجزيرة وجدت لها مبررا على لسان الجامعة العربية.

هذه بعض النقاط المهمة -في نظري- والتي نستنتج منها أن الجزيرة تحاول الحيادية ولكنها لا تتبرأ من القلب العربي الذي ينبض في داخلها.

2. من يحتاج الآخر: الحكومة العربية وجدت في الجزيرة فرصة لإيصال وجهة نظرها إلى العالم، فلا أعتقد أن أحدا في العالم يتابع القناة الفضائية العراقية، وقت أحسنت الحكومة العراقية في اختيار ضابط الارتباط لمثل هذه العملية، فلن ينازعني واحد في أن نجم هذه الحرب (إن صح التعبير) هو وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف، الذي لا يملّ الواحد من متابعة تصريحاته، التي وإن كانت ساخرة فإنها تنبع من واقع أليم.

وبالرغم من أن الحكومة العراقية محتاجة إلى الجزيرة لتوصيل صوتها، فلا ينفي هذا أن تكون الجزيرة محتاجة إلى الحكومة العراقية لتغطية الخبر ولإبقاء مكانتها كأكثر القنوات مشاهدة من قبل المشاهد العربي. ولا أدل على ذلك مما جرى عندما استجوبت الحكومة العراقية مدير مكتب الجزيرة في العراق –ديار العمري- وطلبت من المراسل تيسير علوني مغادرة العراق، وبالنتيجة قررت الجزيرة إيقاف جميع مراسليها داخل العراق. وعلى الرغم من أنه موقف تقدّر الجزيرة عليه، إلا أن الجزيرة أصبحت شبه خاوية بعد ذلك، وأن المتابع لها فقد تلك الروح التي كان ينقلها المراسلون من داخل العراق، بل إن الكثير من المشاهدين انتقل بتلفازه إلى العربية أو الحياة/إل بي سي، أو غيرها. من هنا نقول إن الجزيرة تحتاج الحكومة العراقية بقدر ما تحتاجها الحكومة العراقية.

3. الحرب النفسية: جزء كبير من هذه الحرب على العراق يعتمد على الحرب النفسية، وهي التي تكون عبر التصريحات غير الدقيقة أحيانا والتي تعبر عن انتصارات هائلة لا وجود لها على أرض الواقع، ومن شأن هذه الحرب النفسية أن تؤثر في النفوس فترفع من عزيمة الغازين وتقلل من عزيمة المدافعين، ولكن هذه الحرب قد تنقلب على رؤوس مروّجيها، كما حصل في بداية الحرب عندما أعلنت القيادة الأمريكية سقوط أم قصر خمس مرات، والفاو أربعة مرات، والسيطرة التامة على البصرة عدة مرات، وعدم وجود قتلى أو أسرى من القوات الغازية، ثم جاءت الحقائق لتفند هذه المزاعم، وكانت أن انقلبت الأمور فوضعت القيادة الأمريكية وقفة دفاع عن نفسها، ولم يكن ذلك في الحسبان.

وعلى الرغم من أهمية القنوات الفضائية في هذه الحرب النفسية، والجزيرة منها، إلا أن أثر هذه الحرب النفسية موجه لتكوين الرأي العام العالمي، أو التأثير فيه. والجزء الكبير الذي لا يظهر لنا مباشرة لا علاقة له بالفضائيات إطلاقا، فأنا أعتقد أن القليل من العراقيين الآن يستطيعون مشاهدة الجزيرة، بله أي فضائية أخرى. وإنما قد يكون المصدر الأول للأخبار بالنسبة لهم هو المذياع (الراديو) وليس التلفاز. فمن الذي يسيطر على هذه الحرب؟

كما قلت فإن الفضائيات والصحف من شأنها التأثير في الرأي العام العالمي، ولكن ما يبث عبر الأثير إلى مذياع العراقيّ في بيته هو أكثر هذه الأدوات خطرا، وهذه المعلومة الصادقة أو المخطوءة هي التي تحدد إن كان الشعب العراقي سيقاوم الغزاة إن ارتفعت عزيمته، أو سيستسلم إن قلت. وهو الذي يقرر إن كان بعض العراقيين الذين عاشوا سنوات من الظلم تحت النظام الحالي سيتمردون أم أنهم سيختارون أقل الضررين وسينصرون الحاكم الظالم على الغازي الأجنبي.

كنت أتمنى لو أن الجزيرة، أو غيرها من وسائل الإعلام العربية، التفتت إلى هذه النقطة، ولم تتركها مسرحا خاليا يرتع فيه البث الأمريكي الكاذب دون أن يجد ما يواجهه، أثيريا على الأقل. فلا يستهيننّ أحد بكلمة قد تلقى في أذن الرجل العراقي فتجعله يحمل سلاحه ويقاوم الاستعمار، ولو سُمح لي بثوانٍ لينقل صوتي إلى العراقيين في بيوتهم لقلت لهم: إنما النصر صبر ساعة.

بقلم: عمر مطر


 
 روابط ذات صلة
· زيادة حول عين على الإعلام
· الأخبار بواسطة editor


أكثر مقال قراءة عن عين على الإعلام:
مسلسل"أم كلثوم"..ومسائل ثقافية ذات علاقة


 تقييم المقال
المعدل: 3.66
تصويتات: 12


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ


 خيارات

 صفحة للطباعة صفحة للطباعة