بوابة الخيمة

editor

ملفات ساخنة "النهار"

الثلاثاء 13 أيار 2003 اللاجئون الفلسطينيون في العراق:

ضحايا الاحتلال الأميركي وأتباعه من "قوى الأمر الواقع"

معتصم حمادة

كنا منهمكين في محاولة قراءة تداعيات الغزو الاميركي للعراق على مجمل الوضع في الشرق الاوسط، وعلى نحو خاص على مسار القضية الفلسطينية حين داهمتنا الانباء من بغداد عن اعتداءات تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون على أيدي مسلحين من القوى السياسية التي دخلت العاصمة العراقية بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين. ثم ما لبثت الأنباء أن أوضحت أن أكثر من 500 لاجىء فلسطيني من حَملة الوثائق العراقية قد تدفقوا الى المنطقة المجردة على الحدود العراقية - الاردنية، وأنه بتدخل من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، سمحت السلطات الاردنية لهؤلاء اللاجئين بالدخول الى معسكر الرويشد، وأنهم أقاموا هناك في المخيم "إيواء - 1". وأوضحت لنا الانباء الواردة من هناك ان معظم هؤلاء اللاجئين، وهم في غالبيتهم من النساء والاطفال قدموا من منطقة البلديات في بغداد (حيث يقيم عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين) وأنهم فروا بعدما تعرضوا لاعتداءات وضغوطات من جانب الميليشيات العراقية المسلحة.



ونقل عن المشرفين على مخيمات اللجوء في المنطقة الحدودية العراقية - الاردنية توقعاتهم بأن يتدفق على تلك المخيمات المزيد من اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق العراقية في ظل ما يتعرضون له في بغداد من اعتداءات ومضايقات.

وهكذا "اكتشفنا" اننا لسنا بحاجة لأن نذهب بعيداً، بما في ذلك انتظار انعقاد العملية التفاوضية حول "خريطة الطريق" لنتلمس نتائج الحرب على العراق وتداعياتها على الوضع الفلسطيني. كما "اكتشفنا" ان اللاجئين الفلسطينيين - كأفراد وكقضية - هم على الدوام في عين العواصف التي تهب في الانحاء المختلفة من منطقة الشرق الاوسط.

والحديث عن لاجئين فلسطينيين طردوا من بغداد يتجاوز الواقعة ليتناول ملفاً شائكاً يعود بتاريخه الى ما قبل قيام الدولة الاسرائيلية نفسها، وقد دخل على خط هذا الملف العديد من القوى والاطراف الدولية والاقليمية والعربية، بما فيها أحزاب عراقية من تلاوين سياسية وقومية مختلفة.

اذ من المعروف انه منذ ان طرح المشروع الصهيوني لاقامة دولة اسرائيل، والعراق يعتبر واحداً من أهم الدول العربية المرشحة من جانب الدوائر الصهيونية والغربية لاستقبال الفلسطينيين المقتلعين من أرضهم. لكن مشاريع التوطين في هذا البلد وفي غيره من البلدان العربية الاخرى سقطت بفعل اصرار الفلسطينيين على التمسك بحق العودة الى ديارهم وممتلكاتهم ورفضهم الحلول البديلة.

والمفارقة بشأن العراق، انه واحد من البلدان العربية المرشحة - حسب المخططات الصهيونية والغربية، لاستقبال العدد الاكبر من اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم (يجري الحديث في بعض الدوائر عن امكان استيعاب العراق ما يزيد على مليون لاجىء فلسطيني لاتساع اراضيه وغناها ولتمتعه بثروة نفطية لم تكتشف حتى الآن حدودها الحقيقية). بينما الذين لجأوا اليه من الفلسطينيين في العام 1948 لم يتجاوز عددهم خمسة آلاف لاجىء من اصل حوالي 800 الف تركوا فلسطين وتوزعوا على الدول العربية المجاورة. وعندما فتح ملف اللاجئين في المفاوضات المتعددة الطرف استثني اللاجئون الفلسطينيون في العراق من البحث لأن بغداد لم تشارك في الاجتماعات. فهي اولا لم تكن مدعوة، بفعل الحظر الذي كان مفروضاَ عليها ولأنها ثانياً كانت تقاطع العملية التفاوضية من الأساس. ولا يمتلك أي من الدوائر الرسمية الفلسطينية رقماً دقيقاً لعدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لكن الارقام المتداولة تراوح بين 45 و50 الف لاجىء، وإن كانت مصادر فلسطينية مقيمة في العراق أكدت لنا ان العدد الحقيقي لا يتجاوز 35 ألف لاجىء يقيمون اساسا في بغداد، بينما كشف لنا مسؤول عراقي في النظام السابق أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي يحملون وثائق عراقية لا يتجاوز 17 الف لاجىء. وحتى الغزو الاميركي الاخير، كان يعيش الى جانبهم حوالي الف آخرين يحملون الوثائق المصرية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين أبعدوا من الكويت في حرب الخليج الثانية.

في مطلع العام 2000 انطلقت في الصحف ما يشبه الحملة الدعائية ضد الوجود الفلسطيني في العراق، كانت مقدمتها الحديث عن تخوف في صفوف اكراد العراق وتركمانييه من مشروع لتوطين الفلسطينيين في شمال البلاد. حتى أن صحفاً واسعة الانتشار تحدثت عما سمته "معلومات حصلت عليها من مصادر كردية تؤكد ان السلطات العراقية طردت فعلا مواطنين أكراداً وتركماناً من بيوتهم وأسكنت بدلا منهم عائلات فلسطينية". كما أشارت هذه المعلومات الى مدن وقرى بعينها كمدينة كركوك وضواحيها مسرحاً لهذه الاجراءات. وفي هذا السياق اكدت صحف اخرى ان مبعوثين اكراداً أجروا مع ممثلين في السلطة الفلسطينية وفصائل اخرى اتصالات لهذا الغرض بما في ذلك مذكرة من "المنتدى الكردي" في هولندا الى رئيس السلطة ياسر عرفات يطلب اليه فيها التدخل لتعطيل ما سماه بـ"الخطة العراقية" لتوطين "الفلسطينيين" مكان الاكراد والتركمان. ولم تقف الحملة عند حدود ما تم تسريبه للصحف بل امتدت الى اوروبا. ففي مدينة أبسالا، في السويد، وفي احتفال دعت له الجالية الفلسطينية في دار البلدية في ايار ،2000 وسنحت لنا الفرصة المشاركة فيه، ألقى ممثل للحركة الكردية كلمة أشار فيها الى هذه المسألة مستنداً الى معلومات، أوضحنا له في حينها أنها غير صحيحة، حول ما سمي بتوطين الفلسطينيين مكان الاكراد والتركمان في مدن شمالي العراق.

ثم كشفت الحملة الاعلامية عن بعض أهدافها حيث أشارت في إحدى الصحف الى أن بغداد "وافقت بعد محادثات سرية مع اطراف دولية على الدخول في صفقة مقايضة يرفع عبرها الحصار عن نظام صدام مقابل الموافقة على توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق". وعن "مصلحة" بغداد في هذه الصفقة نقلت الى الصحف عن مصادر كردية قولها انه الى جانب فك الحصار عن العراق فان خطة الحكومة العراقية تقضي باستغلال الوجود الفلسطيني لأحداث توازن ديموغرافي في المناطق التي يشكل فيها الوجود البشري العراقي الكردي والتركماني ما سمته "عنصر قلق واضطراب". وتقضي الخطة - والكلام للمصادر الكردية نفسها - بترحيل الاكراد والتركمان من مناطق سكناهم وإحلال آلاف اللاجئين الفلسطينيين مكانهم.

ولاحظت هذه المصادر، حسب ادعاءاتها، ان هذه الخطة سوف تحول الفلسطينيين الى ميليشيات مسلحة مرتبطة بنظام صدام حسين، ترهن وجودها بوجوده. وذهبت الى حد القول إن النظام العراقي قرر اعتبار كل فلسطيني بلغ الثامنة عشرة من عمره "جندياً في جيش العراق بمرتب شهري في مناطق سكناه الجديدة شأنه شأن الجندي العراقي النظامي".

ولإعطاء هذه المعلومات أبعاداً جديدة، تكسبها شيئاً من الصدقية المفقودة أصلا، لجأت هذه المصادر الى تضخيم اعداد اللاجئين في العراق فزعمت ان عددهم يزيد على 250 الفا. وأن عددهم ازداد لاحقاً - كما ادعت - مع استقرار عشرات الآلاف من الفلسطينيين المبعدين من الكويت. ولسنا بحاجة لأن نوضح ان الحديث عن مشروع للتوطين قوامه 35 الفاً شيء، ومشروع قوامه ربع مليون لاجىء يضاف لهم "عشرات الآلاف" من المبعدين من الكويت، شيء آخر.

أين سيكون التوطين؟ ولأن التوطين هدفه إحداث التوازن الديموغرافي فإنه سيكون بالضرورة - حسب مزاعم المصادر - "في مناطق الاكثرية الكردية والتركمانية".

وذهبت بعد ذلك لتتحدث عن "التوطين في مناطق الاكثرية الشيعية". ونشر البعض ما سماه خرائط التوطين الجاهزة "بحيث تمتد مناطق اقامة الفلسطينيين بموجب الخطط المتفق عليها من كركوك الى خانقين ليحلوا محل الاكراد الذين سيرحلون الى مناطق تمتد من الفاو حتى صفوان كحاجز يفصل العراق عن الكويت وايران". كما قالت المصادر - في زخم حملتها الدعائية - إن الحكومة العراقية تعمل من أجل تحويل مدينتي العمارة والناصرية "الى ثكنات عسكرية للاجئين الفلسطينيين على حساب الشيعة الذين يهجرون من سكناهم من البصرة وبعض مدن الوسط الاخرى الى مناطق متاخمة للسعودية ليشكلوا حاجزاً بشرياً آخر".

ولم تقف المسألة عند حدود تسريب المعلومات ونقلها على لسان مصادر مجهولة الهوية بل تعدتها الى إصدار بيانات تزعم ان خطة التوطين، "بدأ تنفيذها" على نحو أو آخر.

* فعلى لسان ناطق باسم المكتب السياسي لـ"الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق" صدر تصريح عن قيام الحكومة العراقية باخلاء حي عرفة في كركوك من سكانه التركمان وترحيلهم الى مدينة الرمادي. وقال الناطق يومها ان الترحيل طاول 300 عائلة جرى اسكان عائلات فلسطينية مكانها.

* بدورها تحدثت "الحركة الاسلامية لتركمان العراق" في بيان لها عن "ترحيل 130 عائلة تركمانية من منطقة كركوك وطوز الى مناطق كردية تقع خارج سيطرة الحكومة". وزعم البيان ان عائلات فلسطينية تم توطينها مكان العائلات التركمانية المطرودة.

* بدورها دخلت صحف المعارضة العراقية هذا الميدان في نشر الاخبار عما سمته توطين الفلسطينيين:

- فصحيفة "بغداد" الناطقة بلسان "حركة الوفاق الوطني العراقي" نشرت في العدد 420 (7/4/2000) تحت عنوان "الفلسطينيون في العراق قنبلة موقوتة قابلة للانفجار" تقريراً عن مشروع للحكومة لتمليك الفلسطينيين مساكن خاصة بهم في اطار مشروع لتوطينهم. ومع ان الصحيفة نشرت بياناً للخارجية العراقية نفى وجود مثل هذه المشاريع، وتأكيده في الوقت نفسه ان مثل هذه المزاعم "تروجها دول معادية للعراق اضافة الى المعارضة التي تحاول اثارة موضوع غير مطروح أصلا الا ان المحرر في الصحيفة اعاد التأكيد على صحة المعلومات التي روجت لها صحيفته.

- صحيفة "نداء الرافدين" الناطقة بلسان "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" كتبت في العدد 217 (30/3/2000) ما معناه ان النظام العراقي ضالع في مؤامرة توطين الفلسطينيين في محاولة منه للتقارب مع الولايات المتحدة.

- صحيفة "الاحرار" الناطقة بلسان "منظمة العمل الاسلامي في العراق" نقلت في عددها الحادي عشر (15/3/2000) نبأ على ذمة "المحرر نيوز" قالت فيه ان اجتماعاً جرى في الموصل بين ممثلين عن الحكومة العراقية والسلطة الفلسطينية وحكومة تل ابيب نوقش خلاله السبل الكفيلة بتوطين مجموعات من فلسطينيي 1948 و1967" واضافت الصحيفة تقول انه "لوحظ في الآونة الاخيرة ان جزءاً من هذه المجموعات وعائلاتها استوطنت منطقة كركوك ذات الغالبية التركمانية مما دفع بالعائلات التركمانية الى النزوح نحو مناطق الملاذ الآمن".

في ظل هذه الاجواء تعرضت منطقة "البلديات" في بغداد لقصف بالهاون من عيار 60 ملم ليل 21/3/2000 أودى بحياة مواطنين فلسطينيين وعراقيين وأصيب 38 آخرون بجروح. وقد أولت وسائل الاعلام هذا الحدث اهتماماً مميزاً. وقد استدل من طبيعة السلاح المستعمل في الاعتداء ان المنفذين كانوا على مقربة من المكان وأن الهدف من العملية كان إيقاع الخسائر في صفوف المدنيين وزرع الرعب في نفوسهم. وقد فسر الحدث تفسيرات مختلفة كان أكثرها خطورة ذاك الذي ذهب في تحليله الى القول ان مجموعات كردية او تركمانية تقف خلف هذا العمل وان الفلسطينيين هم المستهدفون على نحو مباشر رداً على ما يسمى بضلوعهم في مشروع اقتلاع العائلات الكردية والتركمانية من مساكنها والحلول محلها في اطار الخطة المذكورة سالفاً والتي قيل ان النظام يقف وراءها في اطار نزاعاته مع هذه الاقليات القومية. وقد تكرر العدوان العسكري على منطقة البلديات بعد فترة قصيرة مما أوحى وكأن الفلسطينيين دخلوا دائرة النار من حيث لا يرغبون.

والى جانب ان الخارجية العراقية نفت اكثر من مرة وجود مخطط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وأكدت في السياق تمسك العراق بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني بما فيها حق اللاجئين في استعادة ارضهم المسلوبة والعودة اليها، صدر عن أكثر من مرجع فلسطيني نفي مماثل. فقد أجمعت الفصائل الفلسطينية على نفي وجود مثل هذا المشروع، كما أجمعت على رفض الشعب الفلسطيني لكل المشاريع البديلة لحق العودة. كذلك نفى الامر نفسه كل من سفير فلسطين في العراق عزام الاحمد، ورئيس دائرة شؤون العائدين في منظمة التحرير الفلسطينية. (آنذاك) أسعد عبد الرحمن. وكان من الطبيعي ان تنال هذه القضية اهتمام الباحثين والصحافيين الفلسطينيين. وكنت واحداً ممن سنحت لهم الفرصة لزيارة الجالية الفلسطينية في العراق لأكثر من مرة، وكان من الطبيعي ان نبحث وراء الخبر اليقين. وقد تأكد لنا دون أدنى شك ان كل ما قيل عن مشروع توطيني ما هو الا محض خيال. زرنا منطقة البلديات والدورة والزعفرانية ومدينة الحرية وحي السلام حيث يقيم معظم اللاجئين الفلسطينيين وسألنا عن عائلات رحلت شمالا الى كركوك او جنوباً الى المناطق ذات الغالبية الشيعية، فأجابنا الجميع بالنفي مؤكدين رفضهم الدخول في مشاريع سياسية ذات طبيعة مذهبية او آتنية، كما جددوا لنا تمسكهم بالعودة الى ديارهم في فلسطين ورفضهم كل المشاريع البديلة.

وفي لقاءات مماثلة أكدت لنا قوى سياسية عراقية علمانية وديموقراطية عدم صحة ما يروج عن توطين لاجئين فلسطينيين مكان الأكراد او التركمان او الشيعة. وأوضحوا لنا ان هذه الحملة تقف خلفها أطراف سياسية عراقية معارضة ذات صفات وتكوينات مذهبية واتنية، وجدت في الحديث عن اقتراب استحقاق مفاوضات الحل الدائم بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي فرصة للحديث عن مشاريع وهمية، خصوصا ان التفسيرات السياسية لما سمي المقايضة بين قبول النظام العراقي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين وفك الحصار الاميركي عنه، فيه الكثير من التبسيط والسذاجة السياسية، مؤكدين زيف ما يروج من معلومات حول هذه القضية.

ومن الواضح ان توضيحات هذه القوى العراقية هي التي صدقت خاصة بعدما تكشفت طبيعة العلاقة بين اطراف من القوى السياسية العراقية وكل من الولايات المتحدة واسرائيل. فاذا كانت علاقة التبعية التي تربط بين اطراف من القوى السياسية العراقية كل من الولايات المتحدة لم تعد موضوع شك - وعلى الاخص تلك التي تربط بين واشنطن واحمد الجلبي رئيس "المؤتمر الوطني العراقي" - فإن الوقائع تكشف تدريجاً عن علاقات متينة تربط بين هذه القوى - خاصة المؤتمر - ودولة اسرائيل. ويمكن القول ان المقابلة التي أجرتها صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية يوم 11/4/2003 مع نبيل الموسوي الساعد الايمن للجلبي ما هو كاف من الاشارات السياسية الدالة. اذ اعتبر الموسوي الجالية الفلسطينية في العراق "بمثابة طابور خامس كريه ومن بين الاكثر ولاء لصدام حسين" ووعد، عندما يتولى حزبه السلطة "ان يطرد الفلسطينيين من العراق وان يغلق الباب في وجوههم". ونقلت الصحيفة عن الموسوي تأكيده "ان العراق الجديد سيقيم علاقات جيدة مع اسرائيل". وتحدث الموسوي عما سماه بـ"قوس السلام" الذي سيمتد من تركيا عبر العراق والاردن وصولا لاسرائيل.

لذلك نستطيع القول ان ما يجري في بغداد الآن من تهجير للاجئين الفلسطينيين فيه محاولة لاقحام الجالية الفلسطينية في الخلافات العراقية - العراقية، وهو الامر الذي حرصت الجالية الفلسطينية على مدى الزمن المنصرم ان تتحاشاه لادراكها. ان مثل هذا الامر لا يخدم مصلحتها الوطنية. كما نستطيع القول ان ما يجري في بغداد بحق اللاجئين الفلسطينيين ما هو الا رسالة سياسية يحاول بعض الاطراف العراقية ان يوصلها الى الجانبين الاميركي والاسرائيلي معاً.

ولا يفيد القوى السياسية العراقية الادعاء بأن اللاجئين الفلسطينيين كانوا طابوراً خامساً لصدام حسين. فالتعاطف الذي أبداه الفلسطينيون مع العراق كان جزءاً من تعاطف شعبي عربي مع هذا البلد المنكوب بالغزو والاحتلال، امتدت تظاهراته وتعابيره من أقصى المغرب حتى دول الخليج نفسها. كما لا يفيد القول ان الفلسطينيين كانوا ضالعين في مخطط للتوطين على حساب بعض فئات المجتمع العراقي، فقد أثبتت الوقائع الراهنة ان لا وجود لفلسطينيين لا في كركوك، ولا في الجنوب، والا لتعرضوا كما تعرض العديد من العراقيين الذين فروا الى بغداد للتهجير على "أيدي قوى الامر الواقع". ولا بد ان "قوى الامر الواقع" هذه تدرك قبل غيرها ان سياسة "التوازن الديموغرافي" عبر إسكان عشائر عربية في مناطق الشمال، كانت متبعة من جانب الحكومات العراقية منذ مطلع الثلاثينات، اي قبل النكبة الفلسطينية وولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وليس ما يبرر تاليا تهجير اللاجئين الفلسطينيين على خلفية النزاعات الطائفية او المذهبية، لأنهم في الاساس خارج هذه النزاعات لإدراكهم حقيقة دوافعها وأهدافها، خصوصا انهم في الاساس ضحية مثل هذه السياسات التي اتبعتها الحركة الصهيونية وهي تقيم دولة اسرائيل وتدفع نحو توسيعها.

ومن المؤسف ان تكون الجالية الفلسطينية في العراق، القليلة العدد، الضحية الاولى لممارسات الاطراف التابعة للقوات الاميركية المحتلة. ونفترض بموجب القوانين الدولية ان هذه القوات هي المسؤولة عما لحق باللاجئين الفلسطينيين في العراق من أذى وإضرار. كما نفترض ان الهيئات الدولية كالأمم المتحدة والمفوضية العليا للاجئين، ووكالة الاونروا، واللجنة الدولية لحقوق الانسان، وكذلك الجامعة العربية مطالبة بالتحرك السريع لوقف الاعتداءات المتواصلة على ابناء الجالية الفلسطينية في العراق، والعمل على اعادة المهجرين في معسكر الرويشد الى منازلهم وتوفير الحماية لهم. فما يجري في العراق يتجاوز مسألة تهجير بضع مئات من اللاجئين الفلسطينيين، ليفتح الباب امام اسرائيل لتمارس هي الاخرى سياسة التهجير القسري للفلسطينين، كما قد يفتح الباب ليطاول التهجير القائم على أساس آتني ومذهبي فئات المجتمع العراقي نفسه. وإذا ما امتدت العدوى، هنا وهناك يكون صندوق العفاريت، قد فتح فعلا على مصراعيه.

رئيس تحرير مجلة "الحرية" الفلسطينية


 
 روابط ذات صلة
· زيادة حول ملفات ساخنة
· الأخبار بواسطة editor


أكثر مقال قراءة عن ملفات ساخنة:
اللاجئون والبيض الفاسد - عبد الباري عطوان


 تقييم المقال
المعدل: 3.36
تصويتات: 60


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ


 خيارات

 صفحة للطباعة صفحة للطباعة