بوابة الخيمة

editor

الشريعة والفقه الإسلام والعالم

1-مثيرات الموضوع المباشرة:

هذا موضوع مهم كنت منذ مدة أرى أن على المفكرين المسلمين بحثه لأنه ربما كانت على الفهم الصائب له تتوقف حركة المسلمين في العالم وتجاهه(أي حركة الإسلام "متموضعاً" في المجتمعات الإسلامية وفي الاتجاهات الفكرية والحركات السياسية لهذه المجتمعات في العالم وتجاهه الذي هو يعني:1- الآخر غير المسلم 2-الاتجاهات السياسية-الفكرية في العالم الإسلامية التي تختلف مع المنظور الإسلامي جزئياً 3-الواقع الموضوعي للإنسان-بعده المادي)

وكان للموضوع مثيران مباشران حين بدأت في طرحه على نفسي ثم أضيف إليهما مؤخراً مثير ثالث مهم جداً:

المثيران القديمان كانا: 1-الحوار مع أحد الاتجاهات في الفكر الإسلامي المعاصر الذي يرى أن العلاقة مع "الآخر" هي حصراً علاقة عداء وكراهية، وأن كل "الآخر" كتلة واحدة لا تتميز عن بعضها وأن "الكفر ملة واحدة" ليس في الحساب الأخروي فقط، بل في الدنيا أيضاً وهذا يعني أن نتعامل مع كل من هو غير مسلم بالعداء نفسه ولا نقبل منه حسنة ولا نميز أحداً عن أحد طالما هو لم يشهد بالشهادتين ويؤدي الشعائر كما نراه بدقة تامة وعلى اجتهادنا أيضاً!

2-العلاقة مع النظرة العنصرية المعادية للإسلام التي تمثلت في أصوات غربية-خصوصاً أمريكية وادعت أن الإسلام عدو للحضارة الغربية وهذه سمته الأولى والأخيرة بحيث لا يمكن الحوار معه وليس من إمكانية لإيجاد نقاط التقاء معه(فكأنها مقلوب لنظرة بعض المسلمين التي ذكرتها في-1- وتأمل!)

أما المثير الجديد: فهو الحرب على العراق والمظاهرات المليونية التي اجتاحت شوارع العالم مطالبة بإيقاف الحرب وشاجبة دعاتها، وترافقت هذه الحركة العالمية الهائلة التي لم يسبق لها مثيل مع حركة متطوعين لدعم الانتفاضة جاؤوا فلسطين من بلاد الغرب بل ذهبت واحدة منهم مؤخراً هي الأمريكية"راشيل كوري" ضحية لموقفها الإنساني النبيل حين اجتاحها البلدوزر الصهيوني الذي كانت تحاول منعه من هدم بيت فلسطيني.

وهذا المثير الجديد أعاد في ذهني طرح الموضوع: هل هذه الملايين هي حقاً عدوة يجب أن نكرهها وفق التأويل الشائع لعقيدة "الولاء والبراء" ولا نقبل منها إلا ما كان صادراً عن الجزء المسلم في هذه الملايين الذي يصلي ويصوم بل الذي يصلي ويصوم وفق اجتهادنا "على الشعرة الواحدة" كما يقال!

هذا هو "عالم" علينا أن نحدد الموقف منه وما هي الأسس التي نتعامل معه وفقها!



هنا لعمري يحس المرء بوضوح أن صيغاً قديمة شاعت عندنا قد شاخت مفاهيمها وأن علينا إعادة صياغتها مثل صيغة "المفاصلة" وصيغة "الكفر كله ملة واحدة"! إلى آخره...

وكيف نضع "في ملة واحدة" أو "سلة واحدة" بهذا المفهوم الذي ننقده (الذي يخص موقفنا العملي ولا يخص الحساب الأخروي حيث لا يقبل من الناس غير الإسلام) راشيل كوري وجورج بوش؟

2-نقاط جوهرية في الموضوع:

ا-تأسيس نظري عام: الإسلام و القابلية للإسلام "الإسلام كامناً"

الإسلام هو دين يتلقاه الفرد من النصوص بلا شك إذ هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم قبول ما آتانا به هذا الرسول عليه الصلاة والسلام من عقيدة وعبادة ومعاملة.

ولكن الإسلام حين يجيء إلى الفرد لا يأتيه من الخارج فقط، هو يجيء إلى الفرد لأن الفرد عنده "قابلية للإسلام" فكأن عنده "إسلاماً كامناً" في حالة جنينية تنتظر أن تتفتح بكامل أبعادها عند قبول الرسالة النبوية. يأتي الإسلام فيتجاوب مع هذه الحالة الكامنة فيتجاوب معها وتتجاوب معه وكلما كان المرء أقل تشوهاً في فطرته كانت قابليته للإسلام أقوى فاعلية.(والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام كما أخبرنا الحديث الشريف المشهور) وإذا كان الإسلام "كامناً" بهذا المعنى عند غير المسلمين فإنني أجد من الحماقة الاعتقاد السائد عند بعض التيارات في بعض البلاد بأن المسلم يجب أن يكره كل من يخالفه في العقيدة، فإن كنت تكرهه فكيف ستدعوه إلى الإسلام!

"الإسلام الكامن" له ثلاثة أبعاد:

1-الفطرة: إذ أنه عز وجل يخبرنا أنه أخذ العهد على الناس وهم في ظهر آبائهم: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلا! شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟" (الأعراف-172-173)

والتجربة تشهد أن النزعة إلى التدين وعبادة رب متعال موجودة عند البشر الأكثر اختلافاً في ثقافاتهم وظروفهم ولغاته. وهذا المشترك في الإنسان يجب أن نتذكره دوماً وينساه بعضنا كثيراً حين لا يرى من طريقة لإقناع غير المسلمين بالإسلام إلا العنف!

إن الإسلام ليس شيئاً غريباً على الناس لنفرضه عليهم بالقوة بل هو شيء موجود كامن في داخلهم بمكوناته الكبرى!

2-العقل: وهو مشترك في البشرية أيضاً وهو عز وجل يطلب من البشر الاستناد إليه إن لم يكفهم هذا المرشد الفطري الداخلي لأمر من الأمور، والدعوة إلى التفكر والاستنتاج في القرآن الكريم أمر معروف لا نحتاج إلى ذكر الشواهد عليه فهي أوضح من أن تخفى على أحد(وإن ظن بعض البلهاء أن استعمال العقل دعي إليه غير المسلمين فقط فمن دخل في الإسلام كفي مؤونة استعمال عقله!)

3-الأخلاق الفطرية "الحسن" و"القبيح" كما تظهرها الفطرة:

على كثرة النظريات المتعلقة بأصل الأخلاق تظل الحقيقة أن الأخلاق لا يمكن تفسيرها تفسيراً خارجياً(على طريقة المذهب النفعي والمذهب المادي التاريخي إلى آخره..)

والنصوص القرآنية توحي في اعتقادي بهذا الأصل الفطري للأخلاق ومن ذلك نذكر قوله تعالى"يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" (الأعراف-157)

فالله تعالى سمى قواعده التي قررها على البشر في الدين للسلوك القويم "معروفاً"! زسمى ما نهى عنه "منكراً"!ومن التنطع القول إن المعروف(كاسم مفعول اشتق من فعل مبني للمجهول) فاعله الله عز وجل! بل المعروف هو ما عرفه الإنسان بفطرته السوية التي وضعها الله فيه وكذلك المنكر هو ما تنكره الفطرة السوية!

بل الأصل العام في الشريعة أنها جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد!(1) ومن هنا كان المشركون العقلاء يقرون فوراً للإسلام بأنه ما دعى إلا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال!(روى ابن ماجة عن علي رضي الله عنه قال: "أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب فخرج، فوقف على مجلس قوم من شيبان بن ثعلبة في الموسم، فدعاهم إلى الإسلام وأن ينصروه.فقال مفروق بن عمرو-منهم- إلام تدعونا أخا قريش؟ فتلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم:إن الله يأمر بالعدل والإحسان.."الآية.فقال: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك")(2)

ولعمري: من من البشر ذوي الفطرة السليمة لا يرى أن العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى هي أخلاق محمودة وأن عكسها: الظلم والإساءة ومنع ذوي القربى أخلاق ذميمة!

ب-الإسلام ليس قطيعة مع العالم بل هو تواصل مع العالم بأعمق ما فيه: لعله من أسوأ ما دخل على الفكر الإسلامي في العصر الحديث فكرة أن الإسلام يشكل قطيعة كاملة مع المجتمع غير المسلم، بل طلب بعض الكتاب من المسلمين فصل أنفسهم كلياً عن هذا المجتمع ووضع حاجز لا يخترق بينهم وبينه. وفي هذا الموضع لا أريد أن أناقش مطولاً الظروف التي قادت إلى هذا التفكير وأكتفي بالحكم على النتيجة فأقول إنه تفكير خطأ مبدئياً وهو ضار عملياً.

الإسلام ليس قطيعة مع العالم بمعنى إنه مختلف كلياً عنه وليس هناك أي نقاط مشتركة بين التعاليم الإسلامية وواقع الناس غير المسلمين، بل هو تواصل مع هذا العالم وتجاوب مع طبيعة عميقة كامنة فيه، والدعوة الإسلامية من هنا لا تأتي للمدعوين بشيء غريب كل الغربة عنهم وقد أشرت إلى ذلك آنفاً. و التعليم القرآني عن كيفية الدعوة يدل على هذا المفهوم: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".(النحل- 125) حين نقوم بالجدال فإننا نستخدم حكماً مفاهيم مشتركة متفقاً عليها ودون وجود المفاهيم المشتركة بين البشر يستحيل أي حوار أو تفاهم! ومن هنا نقول إن الإسلام تواصل مع العالم وليس قطيعة كلية معه! بل نزيد على ذلك: إنه تواصل مع ماهو جوهري في العالم وقطيعة مع ماهو عرضي إذ أن الأصل الفطري في الإنسان هو إسلامي فالمولود يولد على الفطرة ثم يتولى الأبوان والمجتمع تعديل هذه الفطرة بدرجات مختلفة كما نص على ذلك الحديث المشهور.

وإن المرء ليعجب من قوم يسمون أنفسهم دعاة للإسلام يتعاملون مع الناس بكل فظاظة وشراسة بل تحس أنهم يكرهون الناس المفروض أنهم المدعوون ويبحثون لهم عن زلات ويجتهدون في إثبات أنهم غير مسلمين إن كانوا مسلمين فكأن شغلهم الشاغل تقليل عدد المسلمين وتكثير عدد الكفار فلا تجد عندهم إلا الغرام المريض بالتكفير فلم يكد يسلم منهم عالم ناهيك بالعوام والفرق الإسلامية!

الداعية للناس كالطبيب والطبيب يجب أن ينطلق من خلفية نفسية هي محبة المريض وليس كراهيته وتمني موته! ولعل القصة المروية عن المسيح عليه السلام توضح هذه الحقيقة فقد رووا أن أعداء المسيح أخذوا عليه كثرة تردده على الخطاة وأصحاب المعاصي فقال لهم: هل يزور الطبيب إلا المرضى؟

وقد حصر عز وجل وظيفة الإسلام بأنها رحمة للعالمين فقال: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء- 107)

وتعامل هذه التيارات الشرسة مع الناس يوحي لنا أن الإسلام أرسل نقمة للعالمين وليس رحمة ومن العجب أنهم يؤولون ما يدعونه عقيدة الولاء و البراء بانها تعني كراهية كل من هو ليس مسلماً بل كل مسلم اقترف بدعة ولو عن غير وعي ولو كانت بدعة موروثة (هذا إن صح أنها بدعة وكثيراً ما لا تكون بدعة إلا في النظر القاصر لهؤلاء!)

"رحمة للعالمين" تعني أننا رسالة محبة وإنقاذ للناس ولسنا رسالة كراهية وتدمير للأرض، ومن العجب حقاً أن نقلد خطاب تلك الدوائر العدوانية الاستعمارية التي تريد محاربة كل من يخالفها ويقف في وجهها (قد نفهم الظروف التي ينشأ فيها فكر الغلاة هذا ولكن علينا أن لا نبرر هذا الفكر وإن تفهمنا أنه كثيراً ما يكون رد فعل مرضياً على العدوان الخارجي فكأنه رد خاطئ على خطيئة الآخرين)

ولأن الإسلام ليس قطيعة مع العالم فهو لم يرفض كل ما ينتجه المجتمع غير المسلم من أخلاق!

روى الحميدي عن سفيان عن عبد الله عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت . تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها ، وألا يعز ظالم مظلوما. (سيرة ابن هشام)

فالنبي عليه الصلاة والسلام أقر هذا الحلف لأن قاعدته الأخلاقية تتطابق كل التطابق مع تلك الأخلاق الفطرية التي هي جوهر الأخلاق الإسلامية! ولا أعتقد (وهذه مسألة هامة جداً) أن الحكم سيختلف لو تعلق الأمر بأي اتفاقية أخرى تنشئها الدول وفيها نصرة للمظلوم ورد للظالمين فالدول الإسلامية يجب أن توقع على كل اتفاقية تصون كرامة البشر وتمنع استباحة حقوقهم المادية والمعنوية، ومن أغرب الأمور أنني لم أر من يسمون في بلادنا بالإسلاميين قد علقوا بخير أو شر على هذه الحركة العالمية الموجودة الآن المناهضة للعولمة المتوحشة والداعية إلى علاقات عادلة بين الدول الغنية والدول الفقيرة مع أنني أحسب أن حركة هؤلاء تماثل حركة القوم الذين عقدوا حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان فما بال المسلمين يدعون إلى هذا الحلف فلا يجيبون؟! ولعمري لو دعي إلى مثله النبي في الإسلام لأجاب كما أخبرنا عليه السلام بنفسه!

ج-التمييز بين مكونات العالم وعدم الحكم بحكم واحد على كل من هو ليس مسلماً:

لا أعلم من أين جلب هذا التيار الشرس الذي ذكرته آنفاً الفكرة القائلة أن كل غير المسلمين سواء لا فرق بينهم مع أن كل نصوص الإسلام وممارسات المسلمين الأوائل تناقض هذا الفهم مناقضة مبينة.

فالقرآن الكريم لم يقسم العالم إلى لونين: أبيض وأسود فيحث المسلمين على أن يروا العالم كما يراه المصاب بعمى الألوان. فقد فرق القرآن بين مشركين معاهدين وغير معاهدين وبين مسيحيين ويهود وصابئة ومجوس ولكل منهم حكم مختلف بل أخبرنا انه لا ينهانا عمن لم يقاتلنا في الدين ولم يخرجنا من ديارنا أن نبره!

وعمى الألوان هذا يقود إلى نتيجتين كل منهما أسوأ من الأخرى كما يقال: الأولى أن المسلمين يتوقفون عن محاولة فهم العالم ومعرفته ولا معرفة إلا بمعرفة الفروق! وما الذي ترجوه من داعية لا يريد أن يعرف خصوصيات من يدعوهم وأفكارهم وظروفهم وتاريخهم فسيان عنده إن كان يدعو هندياً أم كان يدعو صينياً أم روسياً أم برازيلياً بدعوى أن الكفر ملة واحدة! ولعلنا نرى هنا التخلف المريع للمسلمين قياساً لغير المسلمين إذ لدى الآخرين معاهد تقوم بالبحث الدقيق في المجتمعات الأخرى وتفاصيل بناها الفكرية والاجتماعية وتاريخها إلى آخره...

ولو كان القرآن يريد أن يعلم المسلمين عدم التمييز لما علق في بداية الدعوة على حرب الروم والفرس بل عد نصر الروم الذي سيحصل بعد سنين نصراً لله يفرح به المؤمنون!

ولو كان العالم كله مثل بعضه لما اختار المسلمون الحبشة للهجرة ولقالوا كما يقول هؤلاء الشرسون في عصرنا الكفر ملة واحدة فلا فرق بين النجاشي و أبي جهل! على حين أن النبي عليه الصلاة والسلام ميزه فقال إن الناس لا يظلمون عنده بخلاف مشركي مكة.

والنتيجة الثانية أن المسلمين بعمى الألوان هذا يرتكبون الظلم الذي نهى الله عنه فهل يستوي من يناضل في سبيل العدالة ومن يبذل وسعه لظلم شعوب بأكملها! وهذا ما نراه بالفعل حين يدعو غير المتبصرين دعوة عامة على النصارى فيضعون علامة مساواة بين إدارة بوش المتطرفة وملايين الناس في البلاد المسيحية الذين وقفوا ضدها وأدانوا عدوانيتها وسعيها الدؤوب إلى شن الحروب على المستضعفين من شعوب الأرض. ولعلي هنا أشير مجرد إشارة إلى نتيجة ثالثة تتمخض عن هذه الطريقة العمياء في النظر إلى العالم وهي عزل المسلمين وتسهيل مساعي الدوائر العدوانية والصهيونية التي تحرض على حرب حضارية تشن على العالم الإسلامي بمجموعه.

د-المسلمون جزء من العالم و هم معنيون بمصير العالم:

1-المجتمع الإسلامي تسري عليه القوانين الموضوعية!

فهو مثل أي مجتمع بشري مضطر لأن يبني بنية اقتصادية ويقوم بمبادلات اقتصادية مع المجتمعات الأخرى وتكون له سياسة نقدية تتأثر حكماً بأوضاع النقد العالمي والدول الإسلامية مضطرة طبعاً إلى الدخول في اتفاقيات تتعلق بكل هذه الجوانب مع دول العالم وهي مأمورة بالنص الشرعي بالوفاء بالعهود. ولكن لا بد من الإشارة هنا طبعاً إلى أن السياسة الخارجية للدول الإسلامية يجب أن تبنى على القاعدة الأخلاقية الإسلامية وليس على مجرد النزعة المصلحية المكيافلية المألوفة في السياسة الحديثة.

2-المجتمع الإسلامي معني بالمصلحة العامة للبشرية!

فالمسلمون مثل غيرهم معنيون مثلاً بوقف تلوث البيئة ومن هنا ووفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار وتقديم المصلحة العالمة على المصلحة الخاصة فهم يقفون بالضرورة مع تلك القوى العالمية التي تريد التوقف عن تلويث البيئة وضد تلك القوى التي لا تمانع في تسميم بيئة العالم إن توافق هذا مع مصالحها الأنانية كما في موقف الإدارة الأمريكية من اتفاقية كيوتو.

3-البحث عن نقاط الالتقاء:

حقاً إن السيرة النبوية العظيمة مثلها مثل التاريخ الإسلامي مجهولة أو كأنها لا تعني شيئاً بالنسبة إلى بعض المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا ففي كل ما نقرأه من أحداث السيرة النبوية نجد أن المسلمين تحت قيادة النبي عليه السلام ما كانوا يترددون في عقد التحالفات مع غير المسلمين إن كان هناك نقاط مشتركة أو مصالح متبادلة توجب التحالف.

ومن العجيب حقاً أن نرى بعض التيارات الإسلامية تعيب على الفلسطينيين أن يقيموا جبهة واحدة مع مواطنيهم المسيحيين في الدفاع عن الأرض ضد الاحتلال.

وحديث الدفاع عن الأرض حديث ذو شجون فكثير من الإسلاميين يعيبون على الفلسطينيين حديثهم عن الدفاع عن الوطن مع أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنه من قتل دون ماله فهو شهيد هذا وهو قتل دون ماله الخاص فكيف لو كان قتل دفاعاً عن وطن لا يخصه هو بالذات وحده! إذا كنت أدعو المسلمين إلى المشاركة بفعالية في التحالف مع تلك القوى العالمية العظيمة التي تناهض الحرب والعدوان وتدعو إلى إزالة العلاقات الظالمة بين الدول الكبرى والدول الصغرى فإنني من باب أولى أدعو المسلمين في بلادنا إلى تأييد التحالف مع تلك القوى العربية التي تناضل ضد الصهيونية وفي سبيل الاستقلال وإنهاء التبعية على شرط ان لا تكون هذه القوى معادية للإسلام وتتخذ من الإسلام عدوها الأول وفي هذا السبيل لا بد لي من ذكر التعاون الذي جرى في السنين الأخيرة بين القوميين والإسلاميين في مسائل منها مناهضة التطبيع مع الصهيونية والدعوة إلى احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد العربية.

هوامش:

(1) حقيقة أن الشريعة جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد قررها عدد كبير من فطاحل علماء الأصول وانظر من العلماء المحدثين مثلاً:

محمد الطاهر بن عاشور-"مقاصد الشريعة الإسلامية"-الشركة التونسية للتوزيع-1978تونس-فصل"المقصد العام للتشريع هو حفظ النظام بجلب المصلحة ودرء المفسدة"-ص63وما بعدها.

وانظر أيضاً:

أحمد الريسوني- "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" –المعهد العالمي للفكر الإسلامي-الطبعة الرابعة-هيرندن(الولايات المتحدة) وهو في هذا الكتاب ينافح مراراً عن رأيه في أن "مقاصد الشريعة تلخص وتجمع في جلب المصالح ودرء المفاسد" انظر مثلاً الفصل الثاني من من الباب الثالث-ص255 وما بعدها.

(2) انظر مناقشة قيمة للأستاذ أحمد الريسوني في كتابه المذكور آنفاً لمسألة لها علاقة بهذا الموضوع (ص263-293) وللقارئ أن يتتبع مناقشة الأستاذ الريسوني للمذهب الظاهري عند ابن حزم-ولوجهة نظره أنصار كثر-في أن التحسين والتقبيح مصدره النص فقط.


 
 روابط ذات صلة
· زيادة حول الشريعة والفقه
· الأخبار بواسطة editor


أكثر مقال قراءة عن الشريعة والفقه:
الحجاب: إشكالية زائفة وأخطاء شائعة


 تقييم المقال
المعدل: 3.25
تصويتات: 28


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ


 خيارات

 صفحة للطباعة صفحة للطباعة